قراءة هادئة في الازمة الاقتصادية الحقيقية في لبنان:
حل الازمة مقابل رأس المقاومة
داوود نوفل، استاذ جامعي.
في الجزء الاول- السياق التاريخي للخيارات العسكرية: اسقاط المقاومة
في العام 2000، هزمت المقاومة اللبنانية العدو الاسرائيلي مسجلةً نصراً كتبه التاريخ. لم يستثمر الحزب المقاوم هذا النصر في السياسة الداخلية وصبّ كامل قوّته على التحضير للمعركة المقبلة. وسعى للحفاظ على الوضع الداخلي بإعلانه عدم جواز التعرض للعملاء تحت اي ذريعة او حجة وترك الامر للقضاء اللبناني.
بعد هذا التاريخ، تغّير مسار الاحداث حيث شعرت القوى الكبرى التي تحمي اسرائيل وعلى رأسها اميركا، ان دور الحزب اصبح خطيرا على وجود هذا الكيان، لذلك بدأت تعّدُ العدة لضرب المقاومة عند اول فرصة جديدة سانحة.
في تلك الاثناء، اي بعد العام 2000 ، كان الوضع الاقتصادي في لبنان، عبارة عن فقاعات، ظاهره اعمار وبنى تحتية وباطنه خزينة خاوية بإنتظار مشروع السلام المنتظر والموعود مع اسرائيل. سعت الدول الكبرى ومعها بعض دول الخليج الى امداد لبنان بالاكسيجين عبر المساعدات والودائع في مؤتمرات الدعم، لانها كان تُؤمن ان الخيار الامثل لانهاء المقاومة هو الحسم العسكري وليس السلاح الاقتصادي ومن هنا البداية..
فتش المخططون الدوليون الحريصون على مصلحة اسرائيل عن اساليب جديدة تُتيح لها الانقضاض على المقاومة، فكانت جريمة اغتيال الرئيس الحريري المدّبرة منهم في العام 2005 والتي نجحوا فيها في اخراج الجيش السوري من لبنان كما ارادوا منها اشعال فتيل الفتنة السنية الشيعية، لكنهم فشلوا مجددا. واقصى ما استطاعوا فِعلَه لحفظ ماء وجههم انهم الصقوا ظلما هذه الجريمة بالمقاومة او احد افرادها في مسرحية سخيفة اسمها المحكمة الدولية..
أتى العام 2006 ومعه عملية الوعد الصادق، وُضعت الخطط المرسومة لضرب المقاومة على طاولة القرار وظنّ الكثيرون من الخارج وادوات الداخل ان رأس هذه المقاومة قد حان قطافه. وما هي الا ايام معدودة حتى ظهرت النتيجة المُرة؛ المقاومة صمدت لا بل بدأت بتحقيق الانجازات الى ان كان النصر الساطع في فجر 14 اب.
بعد العام 2006، انقلبت ايضا كل المعطيات والخُطط؛ ضَربُ المقاومة عسكريا ومباشرةً امرٌ في غاية الصعوبة. انتقل المخططون الى استراتيجية فكفكة نقاط القوة لديها. الخطة الاولى كانت ضرب منظومة الاتصالات في العام 2008، التي ظهرت انها تخطيط خارجي بتنفيذ داخلي، لكنها ايضا فشلت وأدت الى احداث داخلية مؤلمة كان نتيجتها مؤتمر الدوحة. لم تتصرف المقاومة بمنطق الرابح على الارض بل على العكس، ورأبا للصدع الداخلي الذي حصل، قبلت ان يأتي الى الحكم رئيس جديد تعرف جيدا انه معادٍ لمشروعها المقاوم، وهو صاحب وجهين في التعاطي معها. فشل مشروع قطع عصب المقاومة فانتقل المخططون الى الخطة الثانية وهي تجفيف مصادر الدعم.
مع اندلاع ثورات الربيع العربي، وفي عز المشهد، لم تسأل الدول الكبرى عن الحريات في العالم العربي ولم تتحرك لدعم ادواتها من نصّبتهم ملوكاً ورؤوساءً لعقود، بل ضحّت بهم وتوجهت صوب سوريا لإسقاط رئيسها الداعم العلني للمقاومة، وهي تُنشد خنق رئة المقاومة الخلفية في العدة والعتاد. تنبّهت المقاومة للأمر ودخلت للقتال في سوريا جنبا الى جنب مع جيشها برغم ما رافق ذلك من اعباءٍ ونزفٍ ماديٍ وبشري، لكنها كانت تخوض معركةً مع الاصيل اي هذه الدول وان كانت على الارض مباشرة مع الوكيل اي داعش والنصرة واخواتها ومسمياتها التي ترّبت في احضان المخابرات العالمية. وبعد النصر الحاسم والواضح في سوريا، استشعرت اسرائيل ومن يحميها، وللمرة الاولى في تاريخ الصراع مع المقاومة، ان الحسم العسكري معها هو من المستحيلات، فكان لا بد من اسلوب جديد ومغاير عبر القرار بإستعمال سلاح الاخضاع الاقتصادي والذي كانوا يتهيبونه، رغم علمهم بوجوده بعد العام 2000، لانهم يُدركون جيدا ان هذا السلاح سيُصيب الجميع بمن فيهم حلفائهم في الداخل قبل ان يُصيب المقاومة وبيئتها.